تناول تقرير لمركز، بورس آند بازار Bourse & Bazaar، البريطاني للدراسات حدث اللقاء المباشر الأول بين رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ورئيس السلطة السورية الجديدة احمد الشرع في قطر، واصفا اياه بانه انطلاقة لبدء بغداد بإعادة ترتيب أوراق علاقتها وتواصلها مع دمشق في وقت كان الامن الإقليمي محور لقاء الطرفين اللذان ركزا على بسط أمن الحدود ومكافحة الإرهاب والاهتمام المشترك ازاء عدم الاستقرار على امتداد الحدود العراقية السورية.
وتابعت "النهرين"، تقرير المركز البريطاني،
الذي أشار الى "ان انهيار نظام بشار الأسد في سوريا قد أسفر عن حقيقة
جيوسياسية جديدة بالنسبة للشرق الأوسط، وهذا ما اجبر بلدان مجاورة له مثل العراق
على إعادة تقييم الموقف من دمشق". وبينما لم يكن لبغداد ألفة عميقة مع الأسد،
فان النظام وفر على الأقل درجة من المناورة والتنبؤ في وقت حافظ من جانب آخر على
روابط وثيقة مع شريك العراق الستراتيجي إيران.
وفي هذه المرحلة الجديدة فإن بروز احمد الشرع قد أثار
بعض المخاوف وسط المؤسسة الأمنية العراقية، وان موقف العراق من سوريا قد صاغته ما
تعرض له من احداث وحروب طائفية امتدت لسنوات على يد داعش الذي جاء عبر الحدود.
واليوم يخشى المسؤولون العراقيون من تكرار تهديدات داعش مستغلا حالة عدم الاستقرار
في سوريا.
وان حفظ الامن على طول الحدود العراقية المشتركة مع
سوريا البالغة 600 كم ما تزال تشكل أهم الأولويات وسط استمرار التحديات مثل عمليات
التهريب عبر الحدود وتسلل المتطرفين مع تدفق اللاجئين الى البلد.
وفي الوقت نفسه فإنه يتوجب على بغداد ان تقيّم فيما إذا
يمكن الاعتماد على القيادة السورية الجديدة كشركاء مع إمكانية استئناف التنسيق
والتعاون السياسي والإقليمي على نحو أعمق.
وتشير الدراسة انه حال تغير الأوضاع بعد مغادرة الأسد،
تبنت القيادة في بغداد موقف براغماتي مدروس. وبدلا من الإسراع بفتح العلاقات
الدبلوماسية مع النظام الجديد كما فعلته عدة بلدان عربية، فأن صناع القرار في
بغداد لجأوا الى ستراتيجية الامن أولا.
وتمثل ذلك بإرسال مسؤولين استخباريين الى دمشق مع عرض
دعوة حذرة لوزير خارجية سوريا الجديد لمباحثات في بغداد. رئيس الوزراء العراقي
السوداني أكد تعهد العراق بسيادة سوريا بينما تحرك مسرعا لتعزيز أمن الحدود معها.
وكانت إحدى المشاكل المركزية في ورقة عمل الزيارة هي
معتقل مخيم الهول، الذي يضم أكثر من 40 ألف محتجز من اتباع التنظيم، غالبيتهم من
العراقيين، وذلك وسط تدهور الأوضاع الأمنية. عامل عدم الاستقرار المستمر في شمال
شرقي سوريا، فضلا عن هشاشة طبيعة مستقبل القوات الديمقراطية السورية المدعومة من
اميركا، المسؤولة عن حماية مخيم الهول هناك، يشكل بحد ذاته عامل قلق أمني لا يمكن
لبغداد تجاهله.
الاتفاق الذي حصل في 10 آذار بين دمشق والقوات
الديمقراطية السورية الكردية واحتمال انخراطها بالجهاز الأمني السوري، يمثل عاملا
متقلبا آخر للحرج في حسابات العراق الدفاعية. وتراقب بغداد عن كثب كيف ستؤول اليه
الاتفاقية، خصوصا ما يتعلق بتبعاتها بالنسبة للمجاميع المسلحة الكردية العاملة على
امتداد الحدود العراقية السورية. وفي الوقت الذي يرى فيه مسؤولون امنيون في العراق
الاتفاقية على أنها خطوة محتملة نحو استقرار المنطقة، فإنهم ما يزالون قلقين من ان
توترات غير محلولة بين القوات الديمقراطية السورية والمجاميع المسلحة المدعومة من
قبل تركيا قد تشعل فتيل معارك أخرى، مع احتمالية توسعها عبر الحدود الى العراق.
وكانت دمشق قد ردت بتعهدات علنية لتنسيق مكثف ووافقت على
توسيع جهود مشتركة لمكافحة الإرهاب. هذه الرسالة تم تأكيدها أكثر مع زيارة وزير
الخارجية السوري، اسعد الشيباني، الأولى للعراق في منتصف آذار الماضي، ودعا
الشيباني خلال الزيارة الى استعادة عمليات التبادل الحدودية الرسمية ووصف العلاقة
التجارية الثنائية القوية على أنها من الأولويات.
يذكر ان النقاشات بين رئيس الوزراء العراقي والرئيس
السوري اشتملت على إعادة فتح المعابر الحدودية الرسمية لتعزيز الروابط التجارية
والاقتصادية، ذلك رغم عدم صدور تأكيد رسمي بهذا الأمر. وقدم السوداني أيضا دعوة
للشرع لحضور اعمال القمة العربية القادمة في بغداد في 17 أيار القادم، والتي ستمثل
المشاركة الأولى لسوريا منذ سقوط الأسد. اللقاء المباشر بين السوداني والشرع يمثل
اهتمام البلدين بتجديد التنسيق بين العراق وسوريا.
ويشير التقرير الى ان مسار العلاقات العراقية – السورية
سيعتمد خلال الأشهر القادمة على فيما إذا سيكون باستطاعة القيادة السورية الجديدة
التأسيس لاستقرار، واحتواء التهديدات الأمنية، وتهيئة أرضية العمل نحو تعاون
إقليمي هادف. لحد ذلك الوقت، فانه من المتوقع ان يبقى تواصل العراق مع سوريا
يكتنفه الحذر والبراغماتية ويركز بشكل أساسي على حماية وتأمين حدوده.