الاخبار العاجلة البث المباشر

  • محلي - سياسي

صحفي لبناني يتساءل: ماذا عن صمت المرجع الأعلى عن تزويج القاصرات؟



Banner

تساءل الصحفي اللبناني حازم الأمين، في مقال له بموقع "دُرج" بعنوان "ماذا عن صمت السيد السيستاني عن تزويج القاصرات؟" جاء فيه:

 

ما نسمعه حول تزويج القاصرات في العراق ليس مجرد فتاوى يقتصر تأثيرها على دوائر متدينة، بل إنها وجهة عثرت على طريقها إلى البرلمان المنتخب، وليس أصحاب العمائم الذين يعرضونها على العراقيين مجرد أئمة مساجد، فلهم في البرلمان أحزاب تملك الأكثرية النيابية، وهم حين استشعروا بعض تردد من زملاء لهم في الكتل النيابية، عقدوا صفقة مع أقرانهم السنة.

أيهما أسوأ للعراق، حكم البعث وعلى رأسه مجرم كصدام حسين، أو حكم الأحزاب الشيعية الدينية وعلى رأسها ملالي أشد فساداً وتخلفاً ورجعية، من راعيهم الإيراني؟

مناسبة هذا السؤال النقاش الدائر في البرلمان العراقي حول التعديلات المقترحة على قانون الأحوال الشخصية، والتي تلحظ جعل سن زواج الفتيات هو البلوغ بيولوجياً، أي في عمر التاسعة!

إذاً، انتقلنا من نظام البعث الدموي وعصبيته العشائرية، إلى نظام الملالي عديم الحساسية حيال قيم بديهية، فالنص الديني أقوى من أي معطى أخلاقي وإنساني وطبي. والذهول يبلغ مستويات أقوى من تلك التي أتحفنا بها “داعش” حين راح يقطع الرؤوس، ذاك أن أصحاب العمائم المتنطّحة للترويج والتشريع لتزويج الطفلات بلغوا من الصفاقة مبلغاً غير مسبوق حين تولّت “مراجع” من بينهم الحديث عن “جواز التمتّع بالرضيعات”!

هذه الدعاوى لم تثر في “البيئة الحوزوية” رغبة في التصويب، ذاك أن “نصوصاً دينية لا تدين ذلك”، لا بل إن الأحزاب صاحبة المبادرة تسلّحت بفتوى “قديمة” للمرجع الأبرز في العراق السيد علي السيستاني، يشير فيها إلى أن سن زواج الفتاة هو لحظة بلوغها البيولوجي. علماً أن مكتب المرجع لم يعلق على هذا النقاش، وهو ما اعتُبرَ بمثابة عدم اعتراض على التعديلات.

ما نسمعه حول تزويج القاصرات في العراق ليس مجرد فتاوى يقتصر تأثيرها على دوائر متدينة، بل إنها وجهة عثرت على طريقها إلى البرلمان المنتخب، وليس أصحاب العمائم الذين يعرضونها على العراقيين مجرد أئمة مساجد، فلهم في البرلمان أحزاب تملك الأكثرية النيابية، وهم حين استشعروا بعض تردد من زملاء لهم في الكتل النيابية، عقدوا صفقة مع أقرانهم السنة، وتتمثل الصفقة في تمرير قانون العفو العام الذي يعتبره السنة إنصافاً لظلامة أصابتهم بعد سقوط نظام البعث.

وآخر شخص من غير المعترضين على قانون العفو كان رئيس الحكومة السابق نوري المالكي، غير المشهود له بالتسامح مع أهل السنة، لكن الصفقة تتطلب قدراً من العضّ على الجراح.

إذاً، أحزاب الشيعة يمكنها أن تضرب صفحاً عن ضائقتها مع أحزاب السنة في مقابل تمرير قانون زواج القاصرات! وأحزاب السنة بدورها لا تملك حساسية كافية حيال تعريض الطفلات الشيعيات لاحتمالات التزويج، طالما أن القانون المقترح يعطي هامش استقلال للمذاهب لترى ما تعتقده مناسباً للأحوال المدنية لرعاياها!

أما الضلع الثالث لـ”الهوية الوطنية العراقية”، ونعني هنا الأكراد، فبالنسبة إليهم "بطيخ يكسر بعضه"، على ما نقول في لبنان حين نريد أن ننأى بأنفسنا عن نقاش أو خلاف. فهموم الأكراد خارج المعضلات الإنسانية العراقية، ما لم تمس هذه المعضلات كركوك أو المناطق المتنازع عليها أو حصة الإقليم من موازنة الحكومة المركزية.

إذاً، ليس للطفلات الشيعيات العراقيات رب يحميهم من البرلمان ومن الأحزاب الدينية، ومن النائبات اللواتي يفرض قانون الانتخابات العراقي كوتا نسائية تولت إيصالهن إلى مجلس النواب، فكنّ أشد حماسة للتعديلات المتخلّفة على قانون الأحوال الشخصية.

أكثر من عشرين عاماً على سقوط نظام البعث، أمضى نصفها العراق تحت الاحتلال الأميركي، وتُوِّجت بمشاهد الانتهاكات في سجن أبو غريب، ونصفها الثاني تحت الوصاية الإيرانية، وها هو يتوجّها بقانون زواج القاصرات. وبين المصيبتين، مصيبة ثالثة توسّطتهما، تمثلت بحقبة “داعش” التي سالت على ضفافها أنهار من الدماء، واشترك الوصيان الأميركي والإيراني في الحرب على التنظيم.

هذا المخاض أوصل العراق إلى قانون تزويج القاصرات، ولا أحد بريء من هذه المصير. فما بعد الاحتلال تأتي الوصاية، وبعد الوصاية الاستتباع، ويُترك أهل العراق لمنظومة ترعى مصالح المحتل وتثبت نفوذ الوصي، وكل ما يتعدى ذلك من انتهاكات وجرائم لا تمس مصالح أميركا وإيران، هو "شأن العراقيين".

أليس هذا تماماً ما شهدته أفغانستان بعد عودة طالبان برعاية أميركية؟ وللمصادفة فقط، ففي موازاة نقاش قانون تزويج القاصرات في العراق، صدر قانون في أفغانستان يمنع المرأة من التحدث بصوت مرتفع، ذاك أن "صوتها عورة".

 

المصدر: موقع "دُرج"

برمجة و تطوير قناة النهرين | جميع الحقوق محفوظة © 2024