وثق المرصد العراقي لحقوق الإنسان، في تقرير له حالات الإفلات من العقاب في العراق فيما يتعلق بالاعتداءات على الصحافيين، حيث تبرز الحكومات المتعاقبة مسؤولية عدم إجراء تحقيقات جدية في حوادث قتلهم. كما يعكس التحديات الكبيرة التي يواجهها الصحافيون في البلاد، بما في ذلك الاعتداءات الجسدية والنفسية. يتضمن التقرير شهادات مباشرة من صحافيين تعرضوا للاعتداء أثناء تغطية الأحداث، مما يُظهر البيئة القمعية التي يعملون فيها.
وتنشر
"النهرين" تقرير المرصد، الذي اكد بأن الحكومات العراقية المتعاقبة
تتحمل المسؤولية الرئيسية عن عدم إجراء تحقيقات جدية في حوادث قتل الصحافيين على
مدى السنوات الماضية. على حكومة محمد شياع السوداني إعادة فتح التحقيقات المتعلقة
بالجرائم التي استهدفت الصحافيين العراقيين، وعدم التهاون في محاسبة المتورطين
بتلك الجرائم.
يحتفي
العالم في هذا اليوم بالذكرى السنوية لليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب على
الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين، وهو تاريخ اختارته الجمعية العامة للأمم المتحدة
تخليداً لذكرى الصحافيين الفرنسيين كلود فيرلون وجيزلين دوبون، اللذين اغتيلا في
مالي عام 2012 أثناء تغطيتهما لصالح إذاعة فرنسا الدولية.
قال
المرصد العراقي لحقوق الإنسان إن صحافياً يعمل في وكالة أجنبية لم تسمح له مؤسسته
الإدلاء بشهادته بشكل علني أفاد: "في (20 تموز 2023) وصلنا إلى منطقة
الصالحية بالقرب من السفارة السويدية، حيث كانت الأجواء مشحونة بالتوتر. بعد فترة
قصيرة من وصولنا، خرجت قوات حفظ القانون من السفارة وبدأت بالاعتداء على
المتظاهرين، وأثناء ذلك، كنت حاملاً كاميرتي، محاولاً توثيق الأحداث. لكن أحد
العناصر اعتدى عليّ وركلني من ظهري، فصرخت: 'أنا صحافي، لا تضربني!'، ولكن صراخي
لم يكن له أي تأثير".
قال
أيضاً في شهادته للمرصد العراقي لحقوق الإنسان: "في خضم الفوضى، تَحَمَّل عدد
من المتظاهرين مسؤولية الدفاع عني وأخرجوني من ذلك الموقف إلى الجهة الأخرى، حيث
قضيت نحو نصف ساعة لدى الشرطة الاتحادية، محاولاً استجماع قواي. بعد أن تفرق
المتظاهرون، اتصلت بزميلي الذي كان مختبئاً في أحد الفروع القريبة، حيث كان خائفاً
من الاعتقال. وعدته بأن الأمور ستكون على ما يرام بناءً على ما سمعته من ضباط
الجيش".
قال
أيضاً: "فجأة، مر قائد عمليات بغداد الفريق أحمد سليم من جانبنا. وبعد فترة
قصيرة، جاء ضابط وأخبرنا أن القائد يريد لقاءنا. اعتقدنا في البداية أنه يرغب في
الحديث معنا، لكن الأمور سرعان ما انقلبت. قاموا بتجريدنا من كل شيء باستثناء
هوياتنا وبعض النقود في جيوبنا. شعرت بضربة من عميد كان حاضراً، سألنا بغضب:
'لماذا تصورون؟' وطلب مني فتح اللابتوب الخاص بي. عندما اكتشف الصور التي توثق
التظاهرات، تلقّيت ضربة أخرى. حاولت الدفاع عن نفسي وقلت لهم: إنني مريض، لكنه رد
بطريقة قاسية: 'طبك مرض عساك بالموت".
قال
أيضاً: "كانوا يعتزمون أخذنا إلى الاستخبارات للاعتداء علينا، لكن أحد الضباط
تدخل وطلب منهم التعامل معنا باحترام. نقلونا إلى السفارة السويدية، حيث تم
إخراجنا من الباب الخلفي، وبعد ذلك صعدنا إلى سيارة بيك آب وتوجهنا إلى مركز شرطة
كرادة مريم. عند وصولنا، قال أحد عناصر الشرطة: 'أنا مستغرب لماذا أنتم هنا، أنا
هنا فقط أستلمكم وليس لدي صلاحية إطلاق سراحكم".
قال
أيضاً: "أدخلونا في زنزانة مع المتظاهرين، وأوقفونا كما لو كنا مجرمين،
وطلبوا منا كتابة أسماء أمهاتنا وتواريخ ميلادنا. بعد فترة من الانتظار، تم نقلنا
إلى غرفة أكثر احتراماً، وذلك بعد اتصال من مكتب رئيس الوزراء محمد السوداني.
استغرقت العملية من الساعة السادسة صباحاً حتى الثانية بعد الظهر".
قال
المرصد العراقي لحقوق الإنسان إن شهادات الصحافيين تسلط الضوء على التحديات
القاسية التي يواجهونها. حسن نبيل، وهو صحافي مستقل، قال إنه تعرض في (20 تموز
2023) للاعتداء وإطلاق النار أثناء احتجازه في مصرف الطيف بمنطقة الكرادة. حيث
أطلقت حماية المصرف النار عليه، مما أسفر عن إصابة شقيقه برصاصة في ذراعه الأيمن.
على الرغم من تقديمه شكوى، إلا أن نبيل واجه عقبات كبيرة بسبب تعاون الضابط في
مركز الشرطة مع المصرف، مما دفعه إلى تقديم شكوى ضد الضابط بعد عام وثلاثة أشهر،
وفقاً لشهادته للمرصد العراقي لحقوق الإنسان.
ومع
ذلك، عانى في محكمة تحقيق الكرادة من معاملة غير عادلة، حيث لم يحصل على الفرصة
المناسبة لتكييف المادة القانونية.
وفي
(19 آب 2023) تعرض أمير الخفاجي الذي يعمل مراسلاً لصالح قناة السومرية، لانتهاكات
خلال تغطيته تظاهرات المهن الطبية والصحية، حيث مُنع من التصوير وتم سحله واعتقاله
لمدة ثلاث ساعات، مروراً بثلاثة مراكز شرطة. ورغم منعه من تقديم شكوى، رُفعت دعوى
كيدية ضده من قبل شرطة الرصافة بناءً على أوامر قائدها. ومع ذلك، تواصل أمير مع
مكتب رئيس الوزراء، مما أدى إلى تشكيل لجنة أمنية للتحقيق في الحادث، لكنه اختار
عدم تقديم شكوى قانونية في المحاكم العراقية بسبب انشغاله بالعمل وعبء تكاليف
المحامين، واكتفى بمطالبة الجهات المسؤولة بإنهاء الاعتداءات وتقديم اعتذار رسمي.
تستمر
حرية الصحافة في العراق بمواجهة تحديات كبيرة، حيث يعيش الصحافيون في حالة من
الخوف والقلق. رغم التغيرات السياسية التي شهدتها البلاد، فإن الإفلات من العقاب
لا يزال سائداً، مما يجعل العمل الصحافي محفوفاً بالمخاطر. وبالتالي، يتعين على
الحكومة الحالية اتخاذ إجراءات حقيقية لتحسين الأوضاع، بما في ذلك فتح ملفات
الاعتداءات على الصحافيين وتعزيز آليات المساءلة لضمان تحقيق العدالة.
قال
المرصد العراقي لحقوق الإنسان، على مدى نحو عقدين، يُعاني العراق من ظاهرة الإفلات
من العقاب، حيث تتزايد الاعتداءات ضد الصحافيين في بيئة مليئة بالتوتر والتهديدات.
قُتل 475 صحفياً وعاملاً في مجال الإعلام منذ عام 2003، ولم يُحاسب الجناة إلا في
حالتين أو ثلاث. تشير هذه الإحصائيات إلى مستوى مرتفع من الإفلات من العقاب، مما
يضع العراق ضمن الدول الأكثر خطورة على العمل الصحافي.
قال
مصور يُغطي الأحداث لصالح وكالة دولية: "في الساعة السادسة صباحاً من يوم (20
تموز 2023) حدث تراشق بين قوات مكافحة الشغب والمتظاهرين الذين تظاهروا أمام
السفارة السويدية بسبب حرق القرآن في السويد. في تلك اللحظة الحرجة، كان علي اتخاذ
قرار سريع: هل أذهب نحو القوات الأمنية أم أتجه إلى المتظاهرين. كنت أعلم أن أي
اتجاه سأتجه إليه سيحسب علي".
قرر
أن الخيار الأكثر أماناً هو التوجه نحو القوات الأمنية. ما حدث بعد ذلك كان خارج
توقعاته. شهد وقوع اعتداء عنيف على مصور آخر يُدعى أمير، مما جعله يدرك أن الأمور
بدأت تخرج عن السيطرة.
عندما
رآهم يعتقلون أمير، قرر حزْم معدات التصوير الخاصة به وأرسل الصور التي التقطها
إلى وكالته، وأبلغ مديرته أنه سيعود إلى المكتب. لكن قبل أن يتمكن من التحرك، صرخ
به عناصر القوات الأمنية، مما دفعه إلى ترك الكاميرات على الأرض. في تلك اللحظة،
أرسل نداءً عاجلاً أخبرهم فيه أنه تم اعتقاله مع زملاء آخرين، وقام بوضع يده كما
يفعل الأسير الذي يسلم نفسه.
قال
أيضاً: "بينما تجمع حولي عدد كبير من عناصر القوات الأمنية من أربع جهات،
تعرضت للضرب بأيديهم وبعصيهم، بما في ذلك عصا حديدية. لقد تلقيت ضربات على كليتي
ورأسي وسط شتائم قاسية. عُوملت كأني جاسوس"، قيل له: "أنت تدعم
المتظاهرين". ومع تدهور حالته الصحية، حاول أن يتحدث مع الضابط، الذي اتضح
أنه يُدعى قاسم، لكنه تعرض لإهانة إضافية ومعاملة لا تليق به، وأُمر بأن يصعد في
السيارة.
نُقل
إلى مركز الشرطة، حيث كان يأمل أن تكون الأمور أفضل. ومع ذلك، واجه هناك اتهامات
غير منطقية، مثل أنه شارك في حرق السفارة. عندما حاول الدفاع عن نفسه، كان يُشتم.
قال
أيضاً: "تم تسجيل أسمائنا ثلاث مرات، بينما استمر الضباط في شتمنا. أحد
الضباط أمر بنقلنا إلى مكان آخر. في مركز شرطة كرادة مريم، اكتشفنا خمسة أشخاص
آخرين على الأرض، عرفت أنهم من المتظاهرين. أُدخلونا جميعاً إلى زنزانة واحدة. تمت
عملية تسجيل الأسماء أكثر من مرة. أدخلونا غرفة صغيرة، مساحتها لا تتجاوز أربعة
أمتار في أربعة، واحتوت على نحو 20 شخصاً تقريباً، بعضهم كان مضرجًا
بالدماء".
قال
أيضاً: "استمرت الضغوط والتوتر، وبدأ الأشخاص الذين كانوا يرتدون ملابس مدنية
في تسجيل أسمائنا وأخذ صور لنا، وكأننا متهمون. عندما سُئلنا عما إذا كنا قد
تعرضنا للضرب، خشينا من أن يتم نقلنا لمكان آخر في حال قلنا نعم ضُربنا، مما قد
يجعل مصيرنا مجهولاً".
إضافةً
إلى ذلك، يواجه الصحافيون صعوبات في توثيق الاعتداءات بسبب غياب آليات فعالة
للتحقيق وملاحقة الجناة. يتردد الكثير منهم في الإبلاغ عن الاعتداءات خوفًا من
الانتقام أو عدم حصولهم على العدالة.
يتطلب
الحفاظ على حرية الصحافة وتوفير بيئة آمنة للصحافيين تضافر جهود الحكومة ومنظمات
المجتمع المدني. إن ضمان الحماية للصحافيين وحقوقهم يعد جزءاً أساسياً من بناء
عراق ديموقراطي يعزز حرية التعبير وحقوق الإنسان.
قال
محمد فريد وهو مراسل قناة العهد: "تعرضت للاعتداء، حيث مُنعت من التصوير
وتعرضت للاعتداء اللفظي وتكسير كاميراتي. رغم تقديمي دعوى عبر محامي القناة، لم
تؤدِ الإجراءات إلى نتائج فعالة وتم التوصل إلى صلح بعد اعتذار الوزارة. تعرضت
لضغوطات شديدة، وكان من الصعب الحصول على الدعم من المؤسسة التي أعمل بها. عادةً
ما يُنظر إلى مثل هذه الحوادث على أنها ليست ذات أهمية، مما يجعل الصحافيين يشعرون
بالعزلة".
قال
قصي شفيق، وهو مقدم برامج ودائماً ما ينشر ويكتب على حسابه في تويتر عن قضايا
الفساد: "واجهت اعتداءات خطيرة، حيث تم تفجير منزلي واعتقالي في عامي 2021
و2023 بتهمة النشر. ورغم تقديمي شكاوى ضد المعتدين، إلا أن القضايا المتعلقة
بالشخصيات السياسية تُغلق بعد فترة من المماطلة، مما يعكس تواطؤ نقابة الصحافيين
العراقيين في تعزيز ثقافة الإفلات من العقاب". يعبر قصي عن إحباطه بالقول:
"العدالة أصبحت حلماً بعيد المنال. نحن نعمل في بيئة عدائية، حيث يتردد
الكثيرون في الإبلاغ عن الانتهاكات بسبب الخوف من العواقب".
يُعتبر
وضع الصحافة في العراق تحدياً حقيقياً. فرغم أنها ركيزة أساسية في أي مجتمع
ديمقراطي، إلا أن البيئة التي يعمل فيها الصحافيون تتسم بالتهديدات المستمرة
والمخاطر الجسيمة.
قال
المرصد العراقي لحقوق الإنسان، تعكس الظروف الراهنة عدم القدرة على ملاحقة ومعاقبة
الجناة، حيث أصبح الإفلات من العقاب نمطاً شائعاً. هذه الحالة تؤدي إلى تفشي ثقافة
الخوف بين الصحافيين، مما يجعلهم أكثر حذراً في تناول المواضيع الحساسة.
تتعدد
التحديات التي تواجه الصحافيين في العراق، من بينها غياب الآليات الفعالة للتحقيق
والملاحقة القضائية للجرائم المرتكبة ضدهم. على الرغم من تشكيل لجان تحقيقية، فإن
معظمها لم يتمكن من تحقيق نتائج ملموسة.
قال
المرصد العراقي لحقوق الإنسان إن العديد من الصحافيين يترددون في الإبلاغ عن
الاعتداءات التي يتعرضون لها، خوفاً من الانتقام أو عدم حصولهم على العدالة.
يؤدي
غياب المحاسبة إلى تشجيع المزيد من الاعتداءات، مما يزيد من المخاطر التي يواجهها
الصحافيون. إن استمرار الإفلات من العقاب يقوض حقوق الإنسان الأساسية ويعزز من
الانتهاكات.
يتوجب
على حكومة محمد شياع السوداني الالتزام بحماية حقوق الإنسان وإعادة فتح التحقيقات
في الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين. يجب أن تكون هناك فرصة لمحاسبة مرتكبي الجرائم
وتوفير الحماية اللازمة للصحافيين.
يدعو
المرصد العراقي لحقوق الإنسان الحكومة العراقية إلى تطوير آليات فعالة للتحقيق في
الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين، مما يضمن محاسبة مرتكبيها، وذلك عبر إنشاء آليات
تحقق تستند إلى الشفافية والمساءلة. كما يجب على الحكومة توفير الحماية اللازمة
لهم من خلال برامج حماية متكاملة تشمل دعماً قانونياً ونفسياً، بالإضافة إلى اتخاذ
تدابير أمنية فعالة تضمن سلامتهم في أداء مهامهم.