تجلت أزمة الثقة بين المواطن والحكومة، بشكل كبير وواضح، بعد اعلان وزارة التخطيط، جرد 18 سلعة ومنتج تملكه العوائل العراقية خلال التعداد السكاني المزمع اقامته في 20 – 21 من الشهر المقبل، بعد سنوات طويلة بقى فيها العراق دون تعداد، حيث كان آخر تعداد في عام 1997 وشابه الكثير من المشاكل في وقتها، ففي دولة مثل العراق "قد يكون" الخوف المجتمعي مبررا بسبب عدم الثقة بالمؤسسة التنفيذية.
"النهرين" رصدت عددا من التصريحات الشعبية والرسمية، خلال
المدة الماضية، وتلخصت ابرز ملاحظات المواطنين، على بعض الأسئلة الموجودة في
التعداد، فهو لا يعرف لماذا يتم سؤاله عن الهواتف والسيارات أو الممتلكات الخاصة،
وتحديد موقع الدار على GBS، في حين يفترض أن يتضمن الإحصاء عدّ الأفراد والأسر ومعرفة النمو
السكاني"، مؤكدين "مخاوفهم من رغبة الحكومة بفرض ضرائب كبيرة بعد
التعداد"، كما رصدت "النهرين" تعليقات ناشطين ومدونين بهذا الخصوص،
تلخصت في مجملها بأن أسئلة التعداد "كشف ضريبي بامتياز".
اما وزارة التخطيط، فقد أعلنت في بيانات سابقة، بأن "استمارة
التعداد تتضمن توجيه 70 سؤالا، تشمل 11 محورا متنوعا تتعلق بخصائص حياة الفرد ضمن
قطاعات الصحة، التعليم، والعمل، السكن، والخدمات، بهدف الحصول على المعلومات
الدقيقة عن أعداد الأسر والساكنين في كل منزل لمعرفة المستوى العلمي لكل مواطن،
فضلا عن التعرف على الأمراض التي تعاني منها الأسر"، وتحدث الناطق بأسم الوزارة
عبد الزهرة الهنداوي، "أن استمارة التعداد لا تتضمن مبدئيا أي سؤال عن الدخل،
سواء للفرد أو الأسرة، لكن إحصاء السلع المعمرة لا علاقة له بالضرائب أو أي إجراءات
أخرى، وهو ليس إجباريا أيضا"، مؤكدا بأن "فرق التعداد ستأخذ عينات من
المجتمع، وتسألها عن هذه السلع، أي أن الأسر ليست كلها مشمولة بهذا السؤال"،
لافتا إلى أن "هذا الإحصاء يهدف إلى قياس مستوى الرفاهية ومستوى معدل الفقر
في البلد ومنح صورة عن حجم الأجهزة والسلع الموجودة، وعلى أساسها يمكن أن نضع رؤية
وسياسة استيرادية مستقبلية، ويمكن أن نعرف من خلالها تحديد حجم الطاقة الكهربائية
المطلوبة للسكان وفق معدلات النمو السنوية وتفاصيل أخرى ترتبط بالجوانب الاقتصادية
والتنموية الأخرى".
ودافع الهنداوي بشدة عن التعداد، واكد بأنه "بعيد كل البعد عن
تلك التصورات، فهدفه ليس فرض الضرائب، بل الاطلاع على الواقع لرسم سياسات
استراتيجية وحل المشكلات التي يوجهها هذا الواقع".
مختصون بشؤون التخطيط والتنمية، اكدوا بأن "مفهوم التعداد السكاني
لدولة مثل العراق بعد غياب أكثر من 27 سنة هو مفهوم جديد نسبيا على مستوى أداء
الدولة والمجتمع وكيفية التعامل معه"، موضحين بأن "العملية الإحصائية في
كل الدول تكون شاملة لكثير من المفردات والإحصاءات بدءا بعدد الأشخاص وأنواعهم
سواء كانوا ذكورا وإناثا، والطبيعة الاجتماعية والمستوى المعيشي وكثير من الأرقام
والتحليلات الإحصائية التي تتبع هذا النوع من الإحصاء الذي يتضمن مخرجات عن مستوى
التعليم والواقع الصحي وحجم الأسر وتغيير البيئة المجتمعية بما فيها تقديم الخدمات
العامة للأفراد وكيفية توزيعها ووضع التخصيصات المالية التي تناسبها".
فيما شدد مختصون بإدارة الازمات، على ضرورة ان تقوم وزارة التخطيط
بتكثيف الجهد التوعوي خلال الأيام المقبلة، لتقليل مخاوف العراقيين، سيما وان مثل
هذه العملية لم يشهدها العراق منذ 27 ما يعني غياب ثقافة التعامل معه، ومع الفرق
المختصة بهذا الموضوع، يوم التعداد.
يبقى السؤال الأهم، وهو هل ستتمكن الحكومات العراقية، وفي ظل فوضى
الإدارة خلال هذه المرحلة، من احداث طفرة نوعية بمستويات المعيشة للمواطن العراقي
بعد إجراء الإحصاء، ام ستكون نتائجه مجرد ارقام على طاولة المسؤولين دون معالجات
حقيقية؟