خاص النهرين
بين
الحجج القانونية والأداء الإنساني داخل أروقة منظمات العدل الدولية، يقف محللون
كثيرًا أمام مشاهد الخصوم وطرق أدائهم وأسانيدهم القانونية لاستشراف الأحكام
المنتظرة، وهذا ما حدث بوضوح في أولى جلسات نظر محكمة العدل الدولية للدعوى
المرفوعة من النظام العسكري في السودان ضد دولة الإمارات بدعوى التواطؤ في إبادة
جماعية.
يذهب
المحلل السياسي محمد تقي إلى رصد حالة ارتباك واضحة للوفد السوداني عند الاستماع
لممثلة دولة الإمارات، خصوصًا عند الحديث عن تهرب النظام العسكري من مفاوضات
السلام لإنهاء الأزمة.
ويمضي
تقي في تحليل المشهد من داخل محكمة العدل الدولية عبر حسابه على منصة «إكس» فيشير
إلى ظهور ممثل النظام العسكري في السودان بـ«كلمات متقطعة وثقيلة وتائهة بين نطق
غير متقن للإنجليزية وتوتر يزداد وضوحًا مع كل لحظة».
يعود
مرة أخرى المحلل السياسي إلى الوفد الإماراتي فيشير إلى ثباته عبر مراقبته للمشهد
وتسجيل الملاحظات وهو مدرك أن خصمه يخسر المعركة قبل أن تنتهي الجلسة الأولى.
التحليل
فيما وراء المشهد المباشر، دفع تقي إلى رصد معاوية عثمان وزير العدل في حكومة
عبدالفتاح البرهان، حين ارتجف صوته وهو يدلي بادعاءات لا منطق لها ضد دولة
الإمارات، أمام قضاة محكمة العدل، فكل جملة حملت صراعًا، ليس فقط مع اللغة، بل مع
هيبة المكان وثقل اللحظة.
هذا
الاضطراب الإنساني بين وفد عبدالفتاح البرهان إلى محكمة العدل الدولية، امتداد
لاضطراب قانوني أشار إليه قانونيون في نص الدعوى من افتقار الاتهامات إلى الصياغة
القانونية المحكمة.
ويحذر
الكاتب علي الزوهري من أن الحرب في السودان ليست مجرد صراع على السلطة، بل هي
تفكيك ممنهج للدولة والمجتمع، تستخدم فيه الأسلحة والخطابات العرقية كأدوات تدمير
ومن بدون ضغط دولي حقيقي لوقف إمدادات السلاح وفرض حل سياسي شامل، قد تتحول البلاد
إلى دولة فاشلة بآثار كارثية على القرن الأفريقي والعالم.
حجج
ضعيفة
الخبير
القانوني الدكتور صلاح الحنشي يضع يده على مجموع من التناقضات والدوافع السياسية
الواضحة والحجج الضعيفة في ملف دعوى النظام العسكري السوداني المدعوم من تيار
الإخوان المسلمين أمام محكمة العدل الدولية ضد دولة الإمارات، ومحاولة تحميلها
مسؤولية مزاعم انتهاكات جسيمة من بينها الإبادة الجماعية في دارفور.
يقول
الحنشي إن التحليل المتأني للدعوى يكشف عن طابعها السياسي البحت، وافتقارها للأسس
القانونية القوية، إذ تسعى حكومة البرهان إلى إقصاء خصومها وتعزيز قبضتها على السلطة
عبر توظيف القضاء الدولي، فالدعوى ليست سوى أداة تشويه واتهام للخصم بالعمالة لقوى
خارجية، مما يمنح السلطات ذريعة لتبرير إجراءاتها القمعية ضده.
ويعني
رفع هذه الدعوى أن النظام العسكري في السودان يحاول إضعاف منافس قوي وفرض سيطرته
عليه، عبر تصوير النزاع الداخلي على أنه حرب ضد تدخل أجنبي، في حين أن جوهره صراع
بين قوى سودانية متناحرة، بحسب ما يؤكده الخبير القانوني.
ويتماشى
هذا أيضًا مع تأكيدات أميرة الحفيتي سفيرة دولة الإمارات لدى هولندا، على أن
النظام العسكري في السودان أمامه خيارين إما أن يقر بمسؤوليته وأن يتعاون بشكل
إيجابي وبشكل جدي مع الدعوات الإقليمية والدولية لإنهاء الكارثة أو أن يستمر في
سيناريو التباكي وإلقاء اللوم على أطراف أخرى ولكن هذا لن يجدي شيئًا لأن الحقائق
على الأرض دامغة ولا يمكن التلاعب بها، ومن ثم عليه القبول بحل سياسي ودبلوماسي
وكذلك الانخراط في عملية سياسية.
ماذا
عن الأدلة؟
يرى
صلاح الحنشي أن الدعوى تعتمد على مزاعم غير مدعومة بأدلة قانونية قاطعة، حيث تفتقر
إلى وثائق رسمية تثبت تورط الإمارات بشكل مباشر او غير مباشر فيما يخص تسليح أو
تمويل أحد أطراف الصراع في السودان، بل إن الحديث عن العثور على أسلحة ومركبات
يُقال إنها إماراتية المنشأ، وهو دليل غير كافٍ قانونيًا، إذ إن الأسلحة تباع
وتهرب في الأسواق السوداء الإقليمية، وقد يكون مصدرها دولًا أخرى.
أما
الدليل الآخر المقدم من الجيش السوداني
بالعثور على جوازات سفر إماراتية بحوزة أفراد من خصمه العسكري، هو أمر
فسرته الإمارات ببساطة ناتج عن سرقة أو فقدان وثائق، وليس دليلًا على دعم رسمي.
ومن هنا يقول الخبير القانوني إنه في ظل غياب أي أدلة ملموسة كضبط شحنات سلاح
رسمية أو تسجيل اتصالات مباشرة، تبقى الدعوى ضعيفة من الناحية الإثباتية.
*تناقضات
واضحة
من ناحية
أخرى، يرصد الحنشي تناقضات جوهرية في نص الدعوى السودانية بداية من وصف الدعم
الإماراتي بأنه مباشر وصريح، ثم العودة لوصفه في مواضع أخرى بـ«العدوان غير
المباشر»، وهذا الاضطراب في السرد يشير إلى افتقار الاتهامات إلى الصياغة
القانونية المحكمة، ما يضعف مصداقيتها أمام أي هيئة قضائية دولية.
ويُنظر
إلى الدعوى على نطاق واسع كمحاولة لتصدير الأزمة وصرف الأنظار عن الانتهاكات
والمأساة الإنسانية في السودان وسط الحرب المستمرة والتي يرفض قادة الجيش وقفها
والاحتكام الى عملية سلام
ولم
تتوقف الإمارات عن تقديم الدعم الإنساني للسودان منذ بدء الحرب – وفق «كتيت» -
التي شددت على تمسك الدولة بموقفها بعدم اختصاص محكمة العدل الدولية «مع احترامنا
للقانون الدولي». واستشهدت بالدعم الإماراتي لكل «الوساطات المختلفة لكي يتحمل
طرفا الصراع في السودان لمسؤولياتهما أمام القانون الدولي».
ومن
داخل السودان يؤكد وزير العدل السوداني السابق نصر الدين عبدالباري أن هذه الدعوى
ذات طابع سياسي بحت واصفا إياها بالنفاق من مؤسسة تاريخها ملطخ بدماء السودانيين -
ويقصد الجيش السوداني.